Technology

التحوّل الرقمي الحكومي : ثلاثة إستفهامات رئيسية

ليس سرا ان البشرية دخلت عصر العالم الإفتراضي الذي كان إلى عقدين أو أكثر خيالا نسمع او نقرأ عنه  فقط في أفلام أو منشورات الخيال العلمي.

أول ملامح الانسان في العصر الإفتراضي هو تصنيفه حسب انخراطه بالأنشطة الرقمية، حيث يمارس " الإنسان الرقمي" معظم أنشطته سواء  تلك التي يكسب فيها رزقه أو المتعلقة بجوانب حياته الأخرى  وهو على ثقة بأمنه وأمن بياناته كإنسان رقمي ، هكذا أصبحنا نشاهد التصنيفات الدولية للدول حسب هذا المعيار،  فهناك دول الصف الأول خاصة تلك التي تحولت فيها الاجراءات  الحكومية الى أنظمة الكترونية تطورت عبر نصف قرن من أنظمة بسيطة مستقلة إلى ما يسمى بالحكومة الالكترونية ومن ثم التحول الرقمي الواسع حيث الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة. 

 ورغم أن كثيرا من  البلدان العربية مثل العراق ولبنان بدأ بمصاف الدول المتقدمة الكترونيا  وكان سباقاً في ادخال تقنيات وتكنلوجيات الحوسبة، إلا ان التطور توقف فيها لأسباب معروفة أهمها الاضطراب السياسي، ولذلك احتفظ مواطنوها بتصنيف " الانسان الورقي او المستندي" في معظم  الإجراءات الحيوية في معاشهم وحياتهم. مع ذلك لا يمكن إغفال الجهود والخطوات المنفذة من قبل الجهات المعنية خاصة في العقد الأخير التي تسعى حثيثة الى اللحاق بالعالم الرقمي لاسيما فيما يتعلق بالجوانب المالية.

السؤال الذي يطرح الآن لماذا ما زالت هذه البلدان متلكئة في تدارك الفجوة بينها وبين العالم رغم ان تطبيق التحوّل الرقمي صار من أولويات التنمية ومن الأدوات الرئيسة المساعدة على ضمان أمن المعلومات وشفافية التعاملات ما يؤدي بالضرورة الى مزيد من المتانة والرصانة في عمليات الادارة العامة والحوكمة ويسهم في استقرار الدول وازدهارها؟ ينطبق هذا السؤال على عدة بلدان في مقدمتها العراق ولبنان اللذان تتشابه ظروفهما السياسية والمجتمعية والاقتصادية.

في هذا الصدد نطرح عدة استفهامات ربما تعين في تحليل أسباب التأخر في مواكبة العصر الرقمي:

الاستفهام الأول حول الإرادة السياسية:

أصبح من المسلّمات إجماع كافة المرجعيات الدولية الراعية والموثقة والمنظمة لعمليات التحول الرقمي الناجح بأن تنفيذ  هذا التحول يجب ان يبدأ بتبني  رأس الهرم في السلطات لاستراتيجية التحوّل الرقمي ووجود ارادة سياسية قوية بهذا الإتجاه، أبرز هذه التوصيات هو ما جاء في وثيقة منظمة OECD  حول التوصيات لإعداد الاستراتيجيات الحكومية للتحول الرقمي الصادرة بتاريخ 15 تموز 2014.

واذا نظرنا إلى واقع البلدين نرى ان بند التحول الرقمي ثابت في البيانات الوزارية في لبنان او البرامج الحكومية في العراق، على الأقل في السنوات العشر الأخيرة الأمر الذي ينسجم مع هذا الإجماع الدولي، لكن علامة الإستفهام هنا ناشئة من مدى عكس هذا الإدراج لخطط رصينة أو قناعات متينة لدى صناع القرار القيمين أم أنه يعكس مجرد تلبية أولية لمطلب دولي بغية تحقيق تعاون أو مصلحة ما في مجال آخر؟

الاستفهام الثاني حول مفارقة التكلفة والجودة:

يحتاج التحوّل الرقمي إلى بنى تحتية ذات صلة وتكنولوجيا ملائمة وشبكات انترنت، فإذا أخذنا مؤشرين من  مؤشرات قياس  وجود البنى التحتية ذات العلاقة بالتحوّل الرقمي وهما

 1. حجم توفّر الهواتف الذكية فنرى ان النسب تقارب 70 %  من السكان في البلدين،

2. حجم استهلاك الانترنت .

يشير هذان المؤشرين إلى وجود بنى تحتية قادرة على تقديم خدمة لكن إذا ما أجرينا مقارنة لناحية جودة وتكلفة الخدمة مع بلدان أخرى إقليمية نجد أن التكلفة  في العراق ولبنان هي الأعلى والجودة هي الأقل ، هنا يبرز الاستفهام الثاني ويتعلق بأسباب هذه الإشكالية، فإذا طبّقنا معادلة العرض والطلب والتنافس في الأسواق فالمنطقي ان تعكس التكلفة الأعلى جودة أعلى، وإن كانت التكلفة قد تعكس أيضا ضعف البنى التحتية، لكن عدد المستخدمين الكبير يؤشر إلى غياب استراتيجية كاملة لتطوير وإدارة البنى التحتية بما يحقق خفض التكلفة و تنافسية الجودة والعدالة في تحقيق الأرباح ما بين الشركاء الأساسيين والمقصود  هنا القطاع العام والقطاع الخاص والمستفيد النهائي أي المواطن.

الاستفهام الثالث حول الأنظمة والتشريعات الميسّرة للتحوّل الرقمي:

تستند الأنظمة الالكترونية إلى أنظمة وقوانين وتشريعات وإجراءات عمل مواكبة لها سواء كانت في القطاع العام أو الخاص، وبالعودة إلى بداية عصر الأتمتة الحديثة منتصف القرن العشرين وصولاً الى زمننا الراهن أي العصر الرقمي، فإن البلدين (العراق ولبنان) أصدرا حزمات عديدة من هذه الأنظمة والإجراءات، وقد كانت انطلاقتهما سليمة، الاستفهام هنا هو هل تأخر التحول الرقمي في هذين البلدين سببه بطء مواءمة هذه الاجراءات والبنى المؤسساتية اللازمة للتطوّر الرقمي المتسارع في العالم خاصة فيما يتعلق بأمن المعلومات وتشارك البيانات وتحديد تكلفة التشغيل والإستدامة والتطوير ورصد الميزانيات المناسبة؟  وما هي أسباب هذا التعثر أو البطء في مواكبة التشريعات والقوانين والأنظمة؟ شرط أن تكون هذه المواكبة ضامنة للشراكة السليمة بين القطاع الخاص والعام ومانعة للاحتكار، حيث تؤكد  قصص النجاح الباهرة في التحول الرقمي لدى بعض البلدان ضرورة هذه الشراكة الداعمة للقطاع الخاص، كما تشدّد أيضاً توصيات التنمية المستدامة للأمم المتحدة الخاصة بالتحوّل الرقمي.

الاستنتاج الأولي يقول أن الخطوة الأولى المطلوبة لتسريع عملية التحوّل الرقمي تكمن في تحسين آليات ووسائل الاتصال ما بين كافة الشركاء من أعلى الهرم إلى آخر مستوى في السلسة المعنية وهو المواطن، ومن المقومات الأساسية  لتحقيق هذا التواصل الفعّال هو تحديد المتطلبات والإحتياجات وتحليلها بشكل سليم من تحت الى أعلى حتى يتمكن صاحب القرار من إتخاذ القرار المنسجم مع أولويات كافة مستويات السلسلة المستفيدة من التحول الرقمي.

ومن الحالات الكثيرة  التي تبرز أهمية  السرعة للتحول الرقمي  واثاره الجيدة،  هو  الدخول الطارئ وإذا صحت التسمية الإجبار لاستعمال الأدوات الرقمية في  كافة جوانب حياتنا في ظل جائحة كورونا لتمكين الفرد أو المؤسسة من تنفيذ كافة متطلبات استمرارية الحياة شكل فرصة كبيرة لإعلاء مستوى الوعي المجتمعي لأهمية هذه الأدوات وكسر حاجز التعلم لاستخدامها حيث كان هذا الحاجز يشكل التحدي الأبرز في استخدام التقنيات الرقمية رغم اننا لا نبخل عند شراء  معداتها  وهدفنا دائما الحصول على الأحدث منها،  كما  أكمل عملية النسج في الوعي المجتمعي للبرامجيات والتطبيقات والمنصات التي تحقق الفائدة من  هذه المعدات مع زيادة الوعي على أهمية  امتلاك قواعد البيانات الحافظة للمعرفة رقميا وأمن معلومات الانسان وحفظ حقوقه في العالم الرقمي.


Comments

    No available Comments

Login to leave a Reply

Login